فورين بوليسي تتساءل: لماذا يُصر عباس على التنسيق الأمني ؟

فورين بوليسي تتساءل: لماذا يُصر عباس على التنسيق الأمني ؟

يثير موضوع التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني حيرة الكتاب الغربيين الذين يتناولنه في تحليلاتهم، لكونه شديد الوضوح لجهة فائدته لإسرائيل دون السلطة.

 

وفي هذا السياق، نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية التي تصدر كل شهرين مقالا للكاتبة داليا حتوقة “ترجمه موقع ساسة بوست” عن سر تمسك محمود عباس بالتنسيق الأمني رغم كل عيوبه، لافتا إلى حاجة إسرائيل للتنسيق لوأد أي انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية.

 

وعرجت حتوقة إلى حادث اطلاق قوات خاصة إسرائيلية النار على مقر جهاز الأمن الوقائي في نابلس في حزيران الماضي، معتبرة أنه حدث استثنائي في بحر التنسيق الأمني.

 

وقالت المجلة الامريكية: في الواقع، فإن الضفة الغربية لا تدار من قبل السلطة الفلسطينية وحدها مثلما أقرت اتفاقيات أوسلو. إذ تقوم القوات الإسرائيلية بانتظام بمداهمة قرى ومدن الضفة، وتروع وتحتجز وتقتل الفلسطينيين. كما عانت قوات الأمن الفلسطينية لتفادي نظيرتها الإسرائيلية في الأماكن العامة، وكثيرًا ما تراجعت إلى ثكناتها عند إخطارهم بأن جنود الجيش الإسرائيلي يعملون في المنطقة المجاورة. والمتضرر الأكبر هو الشعب الفلسطيني، الذي ينظر بعين الريبة للتنسيق الأمني بشكل عام، ويشبهه بالشر الضروري في أحسن الأحوال والخيانة في أسوأ الأحوال.

 

وتقول تامي رفيدي، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان خاضت الانتخابات المحلية عام 2012 مع قائمة حركة فتح: إن القوات الإسرائيلية تقتحم رام الله وقتما تشاء ولا ترى أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية في المنطقة المجاورة. لكن “عندما يكون هناك احتجاج من جانب المعارضين الفلسطينيين، ترى العشرات منهم. لهذا السبب لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بإضعاف الأمن الفلسطيني. لأن قواتنا الأمنية تجعل عملهم أسهل”.

 

عام 2003 جاءت الولايات المتحدة بمحمود عباس كرئيس للوزراء ولسحب الصلاحيات من ياسر عرفات رئيس السلطة، وبعد اغتياله عام 2004، تولى عباس رئاسة السلطة مكانه مطلع 2005، وقام على الفور بتنفيذ إصلاحات ضخمة في قطاع الأمن كي يثبت لإسرائيل والمانحين الغربيين أنه جدير بالثقة.

 

من جهتها، قامت أمريكا بتدريب قوات عباس، بجهود المنسق الأمني الأمريكي، كيث دايتون، في 2005. وسهلت أيضًا التنسيق مع السلطات العسكرية الإسرائيلية وحتى الأمن الخاص في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. خلال مهمة دايتون من 2005 إلى 2010، كان مسؤولًا عن تشكيل قوات أمن السلطة الفلسطينية. فأشرف على تجنيد وتدريب الآلاف من القوات الفلسطينية المنتشرة في جميع أنحاء الضفة ، وبشكل أساسي لملاحقة نشطاء المقاومة وحركة حماس.

 

خضع المجندون للفحص من قبل وكالة المخابرات المركزية وأجهزة الأمن الإسرائيلية والأردنية قبل تدريبهم في الأردن. وقال دايتون أمام حشد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في عام 2009: «ما أنشأناه هو رجال جدد». وظهر هذا الجيل المقصود بعنفه وقمعه وانتهاكه الشديد للقوانين وحقوق الانسان.

 

وقالت المجلة إن قوى الأمن الفلسطينية التي أشرف عليها دايتون متهمة من جماعات حقوق الإنسان بقمع المتظاهرين المحتجين على سياسات عباس في الضفة الغربية، حتى بين صفوف فتح. ربما يكون مستوى الجريمة قد انخفض، لكنهم متهمون بإقامة دولة بوليسية.

 

وأضافت المجلة أن السلطة الفلسطينية تعتمد على موافقة الجيش الإسرائيلي في أداء وظيفتها الأساسية، وهي إدارة الشؤون المدنية والأمنية لرعاياها في ظل ظروف شديدة التقييد. تسيطر إسرائيل على حدود الضفة الغربية، وتدمر اقتصادها، بينما تقتحم بانتظام مناطق يفترض أنها ذات سيادة تحت ستار العمليات الأمنية.

 

وقالت حتوقة إن السلطة الفلسطينية بحاجة ماسة إلى عائدات الضرائب التي كانت ترفضها، ولا شك أنها ستبدأ في تسريح بعض من قواتها الأمنية قريبًا. ومع وجود عدد أقل من القوات في الشوارع لكبح جماح الاضطرابات الداخلية، يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة. في الوقت الحالي، يبدو أن السلطة الفلسطينية وإسرائيل تنتظران لمعرفة من الذي سيضرب أولًا.

 

في غضون ذلك، يبدو أن إدارة ترامب انحرفت عن المسار الذي سلكه أسلافها، الذين سعوا إلى ضمان استمرار التنسيق الأمني ​​بين الجانبين، وقامت بفرض قانون مكافحة الإرهاب على تمويل أجهزة أمن السلطة، ويمكن بموجبه أن تخضع أي حكومة تقبل أموالًا من واشنطن لقوانين مكافحة الإرهاب الأمريكية. كان قطاع الأمن الفلسطيني يتلقى في السابق حوالي 60 مليون دولار سنويًا من الحكومة الأمريكية.

 

ونقلت المجلة عن المحلل في مجموعة الأزمات الدولية طارق باكوني قوله: «أعتقد أن إدارة ترامب قد أساءت تقدير الموقف. فلعلهم ظنوا أن بوسعهم إجبار السلطة الفلسطينية على تقديم المزيد من التنازلات، أو تسجيل نقاط سياسية على المستوى المحلي، لكنها جاءت بنتائج عكسية بالنظر إلى استعداد السلطة الفلسطينية للتخلي عن المبلغ بالكامل، لأنها تعرف أن الولايات المتحدة لن تدع التنسيق الأمني ​​ينهار».

 

وتخلص حتوفة إلى أن عباس يتشبث بالتنسيق الأمني للحفاظ على المساعدات الأمريكية، كما ستضغط إسرائيل على الكونغرس الأمريكي لاستئناف مساعدة أجهزة امن السلطة.

 

وقالت المجلة الأمريكية إن هذا الضغط يتجلى ذلك بالسماح بنقل 10 مركبات مدرعة إلى قوات الأمن الفلسطينية في شهر مايو، بعد أن أرجأت إسرائيل التسليم لعدة أشهر. الغرض من هذه المركبات المدرعة، التي تستخدمها وحدات النخبة، قمع أي اضطرابات مدنية، التي تشعر إسرائيل بالقلق من أنها ستشهدها في الأشهر المقبلة بسبب أزمة التمويل في السلطة الفلسطينية.

 

وقال خالد الجندي، المستشار السابق ومفاوض السلام الفلسطيني: “حتى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعارض تخفيض التمويل، لأنهم يعلمون أن ذلك يزعزع الاستقرار”.

 

وتلفت المجلة إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تهدد فيها السلطة إسرائيل بتعليق التنسيق الأمني، لكن قيادة السلطة لم تتجرأ على تفكيك أجهزتها الأمنية الداخلية الكبيرة. لا شك أن إسرائيل تخشى الفوضى في الضفة الغربية، إلا إذا استطاعت أن تسخرها لصالحها، باستخدامها كمبرر لضم أجزاء كبيرة من المنطقة ج – وهو الآن وعد انتخابي رائج في السياسة الإسرائيلية. وليس من الواضح ما إذا كانت هذه التهديدات ذات مصداقية أو مجرد خطاب فارغ.

 

يقول الجندي: “الحقيقة هي أن السلطة الفلسطينية قد استخدمت الأمر في الماضي كتهديد للاستفادة من إسرائيل، لكن هذه المرة لديها أزمة مالية حقيقية”.

 

وتلفت المجلة إلى أن التهديد بوقف التنسيق الأمني كان دائما آخر ما تقوله السلطة التي تحملت أكثر الأحداث فظاعة، وحتى عندما توفي الوزير زياد أبو عين بنوبة قلبية في عام 2014 بعد تعرضه للاعتداء من قبل جندي إسرائيلي، واصلت السلطة الفلسطينية التعاون مع إسرائيل في القضايا الأمنية. أثبت الحدث، والعديد من الأحداث الأخرى التي شملت مقتل فلسطينيين بسبب القوات الإسرائيلية، مدى مركزية التنسيق الأمني بالنسبة للسلطة الفلسطينية. فقد وصف عباس التنسيق مع القوات الإسرائيلية بشأن المسائل الأمنية بـ«المقدس وغير قابل للتفاوض».

 

وفي عام 2015، دعا المجلس المركزي الفلسطيني إلى إنهاء التسيق الأمني، لكن قراره لم يجد الطريق للتنفيذ حتى اليوم. ومنذ عام 1993، ازداد حجم جهاز الأمن الفلسطيني وزاد نفوذه. واليوم، تنفق السلطة الفلسطينية على الأمن أكثر مما تنفقه على التعليم والصحة والزراعة مجتمعين. وقبل أن تقطع الولايات المتحدة المساعدات عن السلطة الفلسطينية، تلقى قطاع الأمن حوالي ثلث المساعدات الخارجية المقدمة للفلسطينيين.

 

في استطلاع للرأي أجري مؤخرًا، قال 65% من الفلسطينيين إنهم يريدون من السلطة وقف التنسيق الأمني​​، بينما قال 78% إنهم لا يعتقدون أن السلطة ستتخذ مثل هذه الخطوة على الإطلاق. قد يكونون على حق؛ فالقيام بذلك سيجعلها بلا قيمة. يقول باكوني: «إن الغرض الوحيد من السلطة الآن هو إدارة السكان الفلسطينيين الخاضعين لاحتلال إسرائيل، من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية حذرة والقمع الأمني».

 

وتقول المجلة الأمريكية إن قيادة السلطة تعرف جيدًا أن تحويل هدفها من إقامة دولة مستقلة إلى دولة ثنائية القومية مشتركة هو السبيل الوحيد للضغط بحق على حكومة إسرائيل. لكن مثل هذا الجهد من شأنه أن يهدد إقطاعيتهم ومصالحهم الاقتصادية المختلفة، التي تتشابك مع الاقتصاد الإسرائيلي. يقول الجندي “أعتقد أن إنهاء التنسيق الأمني ​​هو آخر شيء يريده عباس. وأعتقد أنه سيسرح موظفين آخرين في قطاعات أخرى، لأن الأمن مهم لبقاء نظامه. سيبذل قصارى جهده لتجنب الوصول إلى ذلك المنزلق، لكنه قد لا يكون قادرًا على تجنبه”.

إغلاق