386 يوما في زنازين الوقائي

386 يوما في زنازين الوقائي

الضفة الغربية/

ثلاثمائة وستة وثمانون يومًا بقي فيها مقيدًا بين قضبان كانت رفيقه الوحيد، ليس في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بل لدى وقائي السلطة الفلسطينية بمدينة رام الله، تحديدًا في سجن “بيتونيا”، أمضى منها 37 يومًا مضربًا عن الطعام على فترات مختلفة، مدة مر خلالها الطالب مؤمن نزال (21 عامًا) بأصعب مرحلة في حياته لم يتوقعها أو يتخيل حدوثها.

 

يروي مؤمن الذي أفرجت عنه السلطة في 15 آذار (مارس) 2020م تفاصيل اعتقاله ومواقف وظروف تحقيق عنونها بوصفه: “الاحتلال كان يحقق لكن بأيد فلسطينية”، كما نشرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية.

 

في الخامس والعشرين من شباط (فبراير) 2019م، اعتقل مؤمن من منزله بمدينة قلقيلية قوة تابعة لجهاز “وقائي” السلطة، واقتادته إلى سجن “بيتونيا”.

 

“في التحقيق؛ سألني الضابط: “بتعرف ليش إنت هان؟”، وتابع بعدما بقيت صامتًا: “لأنك عدو للمشروع الوطني”، ثم ربطوا يدي المقيدتين بحبل معلق بالسقف، ورفعت عن الأرض بمقدار شبر، وظل المحقق يضربني بشدة بآلة تشبه العصا، ويسأل هل لي أي تواصل مع غزة؛  كان التحقيق على ثلاث جلسات الظهر والعصر والعشاء، ثم يفك الحبل وأترك لا أعرف النوم من شدة الألم”، هكذا أمضى 59 يومًا في التحقيق، والتصقت بالجسد كعلامة ومؤشر على ذكرى أليمة.

 

تنهيدته هنا تروي مائة حكاية من الألم: “كنت أنام “مشبوحًا” وأستيقظ لـ”الشبح”، أحيانًا أستمر معلقًا ثلاث ساعات (…) الزنزانة صغيرة بمساحة فرشة بطول مترين وعرض متر، دورة المياه في الخارج، يجب أن تطرق الباب كثيرًا حتى يؤذن لك بقضاء الحاجة، أنقل من زنزانة إلى أخرى حتى لا أعتاد عليها”.

 

ضابط بملامح أجنبية

في أثناء تذكر مؤمن تلك اللحظات امتزج صوته بحزن لا وصف له، يضيف: “ذات يوم جاء شخص أرجح أن يكون ضابطًا أمريكيًّا، طويل له كتلة عضلية، ظل بالغرفة عشر دقائق، اقترب مني ورفع رأسي إلى الأعلى بطريقة فظة، ربما جاء ليتحقق من أن العمل والتنسيق مع الاحتلال على ما يرام (..) كنا نراهم كثيرًا نرى هؤلاء الأشخاص يتفقدون السجن”.

 

صمت مؤمن برهة ثم قال بعدها: “أيام السجن كانت مملة، لا يسمحون لك بعمل نظام خاص، حتى لا يوجد موعد ثابت للإفطار أو الغداء أو العشاء، وكذلك للفورة فأحيانًا نخرج ظهرًا وتارة الساعة الثامنة صباحًا، وفي المرة الأخرى بعد العصر، وهي فترة نوم أفراد الوقائي، وأحيانًا يخرجوننا في المساء إلى الساحة”.

 

“أبو ربيع” ضابط يحمل هذه الكنية، الاسم الوحيد العالق بذاكرة “مؤمن”، عن ذلك يقول: “هذا الضابط أكثرهم شدة وتعذيبًا لنا، كان يكره أن نقرأ القرآن، يسب الذات الآلية”.

 

فرحة لم تكتمل

بعد ستة أشهر من الاعتقال، حصلت عائلة مؤمن على قرار قضائي من محكمة الصلح برام الله بالإفراج عنه، تلك الفرحة وصلت إلى قلب السجن، ينتقل بحديثه إلى تلك اللحظات: “يومها جهزت حقيبتي، شعرت بفرحة الإفراج، ودعت المعتقلين الأمنيين مثلي، وبقيت أنتظر في ساحة “الفورة” قبل أن ينادي علي مدير السجن، ويصدمني: “فش إلك ترويحة .. إحنا بنحدد وقتيش تروح مش القضاء”، وذهب وأغلق علي باب الغرفة -وكانت حالتي النفسية صعبة- بدلًا من تركي في الساحة على الأقل”.

 

تحار كلماته هنا: “خمس مرات جهزت نفسي طيلة مدة اعتقالي، أجلس على باب الفورة أنتظر الإفراج بعد صدور أمر قضائي بالإفراج دون جدوى، حتى إن يوم الإفراج عني لم أجهز نفسي، وكانت فرحتي منقوصة إذ خشيت أن تكون مثل كل مرة”.

 

“عندما خرجت ذهبت إلى رؤية شوارع قلقيلية وحارتي، وجدت زملائي قد تقدموا ثلاثة فصول”، هكذا حرم مؤمن دراسته الجامعة في السنة الأولى بتخصص الهندسة الكهربائية في جامعة فلسطين التقنية “خضوري” في طولكرم.

 

يلخص بعض المقتطفات الإضافية في حياته داخل السجن مختصرًا: “وضعت بغرفة جماعية فيها عشرة سجناء جنائيين متهمين بقضية تسريب أراض للاحتلال، وزعوا على ثلاث غرف؛ حطمني هذا الموقف، وعندما غادروا، بقيت وحدي بغرفة السجن مدة أربعة أشهر، كان يمنع عني جلب الكتب الإسلامية”.

 

“أتدري؛ أفرج عني بقرار من الاحتلال” –يقول- “وهذا الدليل: في اليوم الأخير لي (15 مارس) بعدما وقعت كل أوراق الإفراج، كان أفراد الوقائي ينتظرون رد الاحتلال، كنت أسمعهم يتهامسون: “إجا الرد بالإفراج؟”، كل تصرفاتهم أوحت لي أنهم ينتظرون رد الاحتلال، حتى أيام الإضرابات التي خضتها، في يوم حدث معي مغص كلوي، وكان يجب أن أخرج للمشفى عاجلًا، ظلوا يتصلون بالاحتلال حتى حصلوا على إذن إخراجي لمستشفى مجمع فلسطين “الطبي”، وكنت مقيدًا مثل المجرمين”.

 

خلال مدة اعتقاله خاض مؤمن 8 إضرابات في مجموعها 38 يومًا، قبل أن يختم يعلق على ذلك: “الوقائي لا يكترث بحال المضربين”.

إغلاق